281 عامًا من المجد الراسخ

علي بن سهيل المعشني (أبو زايد)

asa228222@gmail.com

شهدت سلطنة عُمان في العشرين من نوفمبر احتفالات مهيبة باليوم الوطني، الذي يمثل محطة تاريخية تجسد دلالات عميقة عن الاستمرارية والسيادة والوحدة الوطنية، التي شكلت هوية البلاد على مدى 281 عامًا من الحكم الراسخ للأسرة البوسعيدية. وقد تُوِّجَت هذه الاحتفالات بعرض عسكري مهيب ومسيرة بحرية رمزية، شملهما حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- برعايته السامية.

العرض العسكري والإخراج الإعلامي الدقيق في ميدان الفتح بمسقط، جسد العرض العسكري الكبير الهيبة والانضباط الذي تتمتع به القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وشاركت في هذا العرض وحدات رمزية تمثل الجيش السلطاني العُماني، وسلاح الجو السلطاني العُماني، والبحرية السلطانية العُمانية، والحرس السلطاني العُماني، وقوة السلطان الخاصة، وشرطة عُمان السلطانية، وشؤون البلاط السلطاني، والخيالة السلطانية، وخيالة الحرس السلطاني العُماني، والفرقة الموسيقية العسكرية المشتركة.وقوات الفرق الوطنية.

لقد كان الاستعراض ترجمة بصرية لقوة الدولة وعمق انضباطها؛ حيث تميز بـ"هيبة العرض" و"دقة الإخراج الإعلامي"؛ فمنذ اللحظات الأولى، بدت التشكيلات العسكرية والأمنية في أبهى صورها، معبرة عن جاهزية وكفاءة منتسبي قوات السلطان المسلحة والأجهزة الأمنية المشاركة في الاستعراض. وقد عكس التناغم التام في هيبة ودقة الاستعراض، مستوى التدريب الرفيع والولاء المطلق للقيادة، متوجًا بالهتاف المهيب الذي يجدد العهد والولاء للقائد الأعلى- حفظه الله ورعاه. كما لعب الإخراج الإعلامي دورًا مميزًا في نقل هيبة هذا العرض إلى العالم، عبر توظيف أحدث التقنيات البصرية والسمعية لضمان تغطية شاملة ودقيقة لكل تفاصيل العرض، مؤكدًا على الاحترافية العسكرية التي تتمتع بها قوات السلطان المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى.

وانطلقت مسيرة بحرية مهيبة تحت الرعاية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، الذي قاد هذه المسيرة على اليخت السلطاني "فلك السلامة". وشاركت في المسيرة قطع من أسطول البحرية السلطانية العُمانية، واليخوت السلطانية، وعدد من زوارق شرطة عُمان السلطانية، إلى جانب مشاركة سفن من بحريات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة.

وعند اقتراب اليخت السلطاني من موقع سفن الاستعراض، أطلقت سفينة البحرية السلطانية العُمانية "شباب عُمان الثانية" 21 طلقة تحية لجلالة القائد الأعلى. هذه المسيرة جسدت حدثًا حيًا يعبر عن الدلالات التاريخية العميقة التي يمثلها البحر في الهوية العُمانية، مؤكدة على عراقة التاريخ البحري العُماني الذي شكّل ركنًا راسخًا من أركان قوة عُمان واستقرارها وانفتاحها على العالم، وحاضرًا متجددًا تواصل من خلاله مد جسور التعاون والتنمية ودعم برامج التنويع الاقتصادي ضمن رؤية (عُمان 2040).

إن اصطفاف السفن، وفي مقدمتها اليخت السلطاني "فلك السلامة" وسفن الأسطول السلطاني، يستحضر أمجاد الإمبراطورية العُمانية التي امتد نفوذها البحري إلى أغلب بقاع الأرض حاملة معها رسالة السلام والخير. إن كل سفينة مشاركة في هذه المسيرة تحمل رمزية للأسطول الذي أسسه الإمام أحمد بن سعيد، وبلغه السيد سعيد بن سلطان ذروة مجده. هذه المسيرة تؤكد على أن عُمان اليوم تفخر بماضيها التليد، وتعتز بنهضتها المتجددة، وتنظر إلى مستقبلها المشرق.

ويمثل اليوم الوطني تأكيدًا على أن الأسس التي وضعها الإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي (1744م) لا تزال تشكل حجر الزاوية للدولة العُمانية الحديثة والمتجددة.

ولم تكن ولادة الدولة البوسعيدية حدثًا عاديًا؛ بل جاءت في خضم تحديات جسام. ففي منتصف القرن الثامن عشر، كانت عُمان تعاني من صراعات داخلية طاحنة وغزو خارجي هدد كيانها. وفي ظل هذه الظروف العصيبة، برز الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، الذي كان واليًا على صحار، كشخصية فذة استطاعت لم الشمل وقيادة المقاومة الوطنية. وبفضل شجاعته وحنكته، تمكن الإمام أحمد بن سعيد من طرد القوات الأجنبية وتوحيد البلاد تحت راية واحدة، مما دفع زعماء القبائل والعلماء إلى مبايعته إمامًا في عام 1744م، إيذانًا ببدء عهد جديد من الاستقرار والرفعة.

لم يكتفِ الإمام أحمد بن سعيد بالتحرير العسكري؛ بل أرسى قواعد دولة، فأنشأ جيشًا وأسطولًا بحريًا قويًا أعاد لعُمان هيبتها في المحيط الهندي والخليج العربي، ونظم الإدارة والجمارك، وشجع التجارة. كما اتسمت سياسته الخارجية بـ "الحياد الحكيم"؛ حيث بنى علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، وهو نهج لا يزال يميز الدبلوماسية العُمانية حتى اليوم.

وتعد فترة حكم السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي (1806-1856م) "العصر الذهبي" في تاريخ عُمان الحديث؛ حيث بلغت الدولة أوج قوتها ونفوذها. بفضل رؤيته الاستراتيجية، تحولت عُمان إلى إمبراطورية بحرية مترامية الأطراف، امتدت من بندر عباس في الخليج العربي شمالًا، إلى سواحل شرق إفريقيا جنوبًا، وصولًا إلى زنجبار التي اتخذها عاصمة ثانية لدولته عام 1832م.

ولم يكن هذا التوسع عسكريًا فحسب، بل كان قائمًا على قوة اقتصادية وتجارية هائلة. كما تميز عهده بسياسة تسامح ديني وتعايش فريدة؛ حيث استقطب الكفاءات من مختلف الأعراق والأديان للمساهمة في بناء دولته المزدهرة.استمرارية النهج:

وعلى الرغم من التحديات التي واجهت الدولة بعد وفاة السيد سعيد، ومنها انقسام الإمبراطورية، إلّا أن الأسرة البوسعيدية تمكنت من الحفاظ على كيان الدولة. ومع بزوغ فجر النهضة الحديثة في عام 1970م بقيادة المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- دخلت عُمان مرحلة جديدة من البناء والتحديث، مستلهمةً من الإرث التاريخي العظيم للدولة البوسعيدية. على أركان هذا المجد، شيد السلطان قابوس- طيب الله ثراه- نهضة عُمان الحديثة على مدى خمسين عامًا، بنى فيها الأرض والإنسان، وبسط يد السلام إلى العالم أجمع.

واليوم، وتحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تستمر مسيرة "النهضة المتجددة".

إن الاحتفال باليوم الوطني لسلطنة عُمان هو احتفاء بالقيم التي قامت عليها: الوحدة، والحكمة، والسيادة، والانفتاح على العالم. إنه يوم لتجديد العهد على مواصلة مسيرة البناء، والتأكيد على أن عُمان، بتاريخها العريق وقيادتها الحكيمة وشعبها الوفي، ماضية بعزم وثبات نحو تحقيق أهدافها العظيمة بعون الله تعالى.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z